البشوش

 

البشوش شادي

البشوش


طيب الخلق والذكر، عظيم الجاه والأثر، بشوش الوجه والقلب، أخي وصاحبي: شادي... سلامٌ إليك.


أكتب لك اليوم وأنا خجولًا من نفسي أكثر من خجلي منك، أكتب على استحياء من صمودك وبتهذيب وقور أمام ثباتك، ولن أذكر لك كلامًا تتصبر به، فإنا والله قد تعودنا الصبر كما اعتادت الأشجار لفظ أوراقها في الخريف، فلا فائدة من كلامٍ أنت تُعلمه للناس وتثبتهم عليه، وإني لأعرف صبرك وجلدك كما أعرف حلمك وعقلك.


مع أننا لسنا صديقين متلازمين، ورغم كل اختلافتنا الفكرية والأيديولوجية بيننا التي تجنبناها في كل ما مررنا به سويًا في رحلتي العمل وطريق الأخوة بيننا خارج هذا النطاق، إلا أننا وجدنا أرضية كبيرة نتفق فيها في كل مسافة خطوناها بين الأقدام.


هذا الشاب الهاديء الذي هاتفني منذ بضعة أعوام يستفسر عن إعلان عمل، تصافحنا أخيرًا وجهًا لوجه في مدينة السادات، لم أكن أنا المسؤول الوحيد ولم يكن هو المستجد الوحيد، لكن سرعان ما تأقلم كلانا على رفيقه الجديد، فصرنا بين ليلة وضحاها نتقاسم رغيف الخبز وأماكن التدخين ومقام السمر ومستقر النوم، بل تطورت علاقتنا في العمل حتى لم نعد نعلم من فينا يترأس الآخر، كانت علاقة مريحة جميلة امتدت راحتها إلى خارج أسوار العمل ومربع السكن، ثم تدور الأيام ويتركنا ذلك المتقن البارع، وتغدوا الأيام حتى أترك عملي وأعود إلى بيتي لأبدأ من جديد، في فترة ابتعدت فيها عن كل المعارف هاتفني مجددًا: "أريدك معي في عمل"، وكأنه لأقرانه طوق نجاة ورسول سلام، وبالفعل عملنا معًا مجددًا زهاء الحول، لم يشكو كسلي ولم أتهم نشاطه، وكأن الكبار من أدباء أمتنا قد مثلوك، فعن يميني أنت أبو صالح الشيخ يونس، وعن يساري أنت الخواجة لامبو، ومن أمامي أنت أنت، شادي العلي.


هذا الرجل البسيط الهاديء، بشوش الوجه، طيب القلب، نقي السريرة، صافي المهجة، لم يختر أن يعيش حياته أنانيًا بل أفرط في العطاء، كان ينثر بذور ثقافته في كل مكان، ينذر الناس من عواقب التبلد، ويبشرهم بثنايا العمل، وقف مدافعًا عن كل مظلوم وكأنه بضع ولده، كان مثالا للجود والإحسان والبر.


يا صديقي الوفي، وددت لو ملأت الجدران عنك، وأخبرت الناس عنك كل واحد على حده، محثًا على تخريج دفعات من الصغار يحذون خطاك.


يا صديقي الوفي، لك صورة في قلوب أحبتك لن يغيرها الزمن ولن تمحوها المحن، سيخلد الأوفياء اسمك إلى جوار العظام الذين بذلوا أغلى أملاكهم في سبيل الحق، كل حق مسلوب من أهله.


يا أيها الأمل الحقيقي انتظر، فهناك فصلًا في الرواية لم يكتمل، وعلى عكس كل القصص والروايات، فصلك الختامي هو الانتصار.


نضال سليم


الثلاثاء 30 يوليو - تمام الثامنة مساءًا

طيب الخلق والذكر، عظيم الجاه والأثر، بشوش الوجه والقلب، أخي وصاحبي: شادي... سلامٌ إليك. أكتب لك اليوم وأنا خجولًا من...

تم النشر بواسطة ‏‎Son Salim‎‏ في الثلاثاء، ٣٠ يوليو ٢٠٢٤

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصيدة معملش حاجه تستحق الذكر - مصطفى إبراهيم

أضرب.. قصيدة للشاعر عبد الرحمن يوسف القرضاوي

قصيدة أيها المارون بين الكلمات العابرة | محمود درويش