نضال سليم يكتب: لا تلتفت لهم.. دعهم في غيهم يعمهون
خلق الله -عز وجل- الخلق لعبادته وحده لا شريك ولا ند له ولتعمير الأرض، وأثناء حياة الفرد التي تعتبر رحلة في هذه الأرض فلا بد له من استغلالها استغلالًا تامًا، وفقًا لقواعد أحكام الخالق، فلا نظلم ولا نعتدي ولا نبطش، ولا نستغل منصبا أو جاهًا أو مالًا.
أهدافنا في الحياة تختلف، فهناك أهداف شخصية يسعى لها كل منا بحسب ما يتطلع لها، أهداف في العمل والزواج والأسرة وغير ذلك، وأهداف جماعية، اجتمعت عليها الأمة بأسرها، من الممكن أن نذكر منها هو تحرير الأراضي المحتلة، وقطع التبعية للغرب، وإعلان استقلال الأمة العربية والإسلامية سياسيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا واقتصاديًّا، وغيرها من الأهداف التي يناضل من أجلها البشر منذ أن خلقوا، بحسب الفترة الزمنية والأحداث الجارية.
لكن العجيب حقًا، والأمر المثير للشفقة هنا، أن تجد بعض الأشخاص ليس لهم أي هدف أو غاية في الحياة إلا تعطيل الناجحين أو ممن يحاولون النجاح، لا هدف لهم غير تعطيل غيرهم بكافة الطرق، زرع الفتن، عبث الحديث، اختلاق المشاكل، ولو فشل بالطرق المباغتة في إذلال قدراتهم لجأ إلى ما لجأ له "بلعم بن باعوراء" أحد علماء بني إسرائيل، وكشفوا عن قبيح ما تكنه صدروهم، فيبدأون بالشتم والسب وقذف الأعراض، يصرخون في كل وادٍ بالباطل، يحاولون أن يسحبوك بشتى الطرق لانحطاط الأخلاق، يريدون أن تنتهج أسلوبهم فيسوء لسانك، ويُهدر وقتك، وتضيع الفرص من أمامك، فتنسحب عزائمك، وتنقطع إرادتك، وهو الأمر الذي اجتمعت عليه غرائزهم وأفكارهم.
"بلعم بن باعوراء" هذا كان من أكبر علماء بني إسرائيل، فضلًا عن كونه من أحفاد نبي الله لوط عليه وعلى نبينا السلام، وقص علينا القرآن الكريم قصته، فبعد أن كان عبدًا صالحًا وحبرًا من أحبار بني إسرائيل، وكان مستجاب الدعوة، اختار طريق الشيطان فأغواه، يقول تعالى: {واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)} سورة الأعراف.
ويذكر المفسرون أن بلعام بن باعوراء كان حبرًا من أحبار بني إسرائيل في زمن سيدنا موسى عليه السلام، وإنه قد تلقى علم التوراة على يدي نبي الله موسى عليه السلام، حتى صار من كبار العباد ومستجاب الدعوة، وكان يعرف اسم الله تعالى الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سُئِل به أعطى.
وقد أرسل نبي الله موسى عليه السلام بلعام بن باعوراء إلى أرض كنعان من الشام ليعلمهم ويدعوهم إلى الله، فقال أهلها له إنهم يخشون أن يغزوهم نبي الله موسى ويحتل أرضهم بنو إسرائيل، وطلبوا منه أن يدعو على نبي الله موسى ومن معه، فرفض في البداية، وقال لهم: هذا نبي وإن فعلت معه ما تريدون ذهبت دنياي وآخرتي، قالوا لابد أن تفعل، وأغروه بالأموال والمناصب والسلطة حتى افتتن.
باختصار شديد (ويمكن الرجوع لأصل القصة بأكملها فى كتب التفاسير) بدأ يدعو باسم اللّه الأعظم أن يخذل نبي الله موسى ومن معه، فرد الله دعاءه إلى قومه، وصار كلما دعا على قوم موسى بشيء أوقعه اللّه على قومه ولا يدعو لقومه بشيء إلا صرفه اللّه إلى قوم موسى، وذلك أنه صار ينطق بغير اختياره، فقال له قومه: ويلك يا بلعام إنما تدعو لهم وعلينا فقال هذا مما لا أملكه، فقد غلبني اللّه عليه، ولم يزل يدعو لقومه وعلى بني إسرائيل وهو يجاب بالعكس حتى اندلع لسانه وقال لهم ذهبت دنياي وآخرتي ولم يبق لكم إلا المكر والحيل.
ولم يكتف بلعام بهذا بل بين لهم الحيلة التي سيستخدمونها ليهلكوا بني إسرائيل، فقال لهم: جمّلوا نساءكم واتركوهن بين معسكر بني إسرائيل وأوصوهن أن لا يمنعن أحدًا من الزنا بهن فإن زنى واحد منهم بواحدة منكم كفيتموهم.
هذا طباق حقيقي لما يحدث، المكر والخديعة، فانهارت الأخلاق، وضاع الشرف، فأصبح التنافس غير مسموح، وكثيرًا منهم لا يريد أن يتعلم ولا يقبل أن يقال إنه لا يعلم، لا يقبل أن يوجه له نقد، إنما هو العلامة العالم، وكأنه انتزع من الله كامل صفاته فوسع كل شيء علما، يفتون في صدور الناس وتبدأ الأحكام في الظهور، فهذا جاهل، وهذا لا يعلم، وهذا لا يفكر، وتظل عقولهم على هذا النهج حتى يقبضهم الله وهم مبغوضين في الأرض إلا من شاكلتهم.
يمشون بين الناس بالنميمة، فلا تخلو مجالسهم من ذكر فلان وعلان، وهذا قال وذاك فعل، ولو انشغلوا بأمور أنفسهم وأمور أمتهم؛ لأصبحنا اليوم في موضع نملك فيه رقاب الأعداء، يتعاملون مع كل الناس بالود -ظاهرًا- وما تخفيه صدورهم أكبر، فالابتسامة لديهم ليست صادقة إنما من حيل الإيقاع، ولو كانت صدورهم صافية، وقلوبهم نقية، لوصلوا لمكان أكبر مما يحسدون عليه غيرهم.
عندما تقع في مثل هذا لا تلتفت، بل امض في طريقك، حاول جاهدًا أن لا ترى سوى النهاية التي تحلم بها، عود أذنيك ولا تسمع إلا الكلمات الإيجابية التي تعطيك دفعة قوية تساعدك على اجتياز الصعوبات، لا تبسط يدك إلا لصديق مخلص، ولا تقبضها إلا من مغرور مكابر ومتغير، ولا تروي قلبك إلا بالصدق والأمانة وشرف الخصومة والتنافس، نعم حتى الخصومة لها شرف، فلا تنتهك عرضًا، ولا تكذب في شهادة {وَلَا يجرمنكم شنئان قوم على أَلا تعدلوا}، فكفار قريش لم يكذبوا في شهادتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، بل قالوا فيه صدقا.
نحن الآن على شفا مرحلة مهمة في عمر الأمة، بل والله لا أبالغ في قولي، إنها مرحلة مهمة في تاريخ البشرية كلها، نريد أن نحجز لنا مكانًا بين الأمم، نعيد أمجاد ماضينا وعراقة منهجنا الذي أسسه النبي صلى الله عليه وسلم، نعود فيه كبارًا لا نخشى قويًا ولا جبارًا، نكون فيه رجالًا بحق، لا يضام عندنا أحد، فكيف السبيل إلى ما نريد وبيننا طاعون الحقد وسموم الغدر، كيف نعترض على الحكومات الظالمة والقوانين الجائرة وبيننا الكثير لا يتقن إلا فنون الظلم وفجر الخصومة، يصرخون كل يوم "ويل لقاضي الأرض من قاضي السماء" ، أخبروهم أن الشهادة قضاء، فمن شهد بما لا يعلم وقع تحت مطية دعائه.
مرض النفس الخبيثة في المجتمع التي تفرق ولا تجمع، تقتل ولا تحيي، حتى بات بعض الناس يرون أنفسهم بياضا وأعمالهم نورا على نور وأما غيرهم فظلام دامس وإن كانوا كوضح النهار طهرًا وروعة، لكنه رأي من لا رأي له؛ لأنه كرههم وكره نفسه وتعالى على الجميع، لسانه على الناس حداد السيف، وكأن الدين لم ينهه عن شيء وهو يعلم ولا يجهل لكنه يتجاهل؛ لأنه لبس نفس الخبث وكره الحق وحسد أهله فلو طبق سياسة التغافل لأراح نفسه وارتاح الناس.
علينا جميعًا أن نتكاتف من أجل محو هذه الظواهر التي تهدم بنيتنا من أسفلها، ومن لم يستطع الإصلاح فليأخذ بنصيحة الله -عز وجل- لنبيه الكريم -صلى الله عليه وسلم- {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}، نعرض عنهم وعما يقولون.
لابد أن نضع أمامنا هدفا واحدا، وهو النهوض بهذه الأمة والانسلاخ من التبعية الصهيوأمريكية، لابد ألا ننظر لغير هدفنا، لا نحيد عنه، ولا نسمح لأحد أن يخرج بنا عن مسارنا وطريقنا الذي اخترناه، ولتكن وسيلتنا هي الصدق والأمانة والشرف، وألا نترك ما تركه لنا محمد -صلى الله عليه وسلم- والذي إن تمسكنا به لن نضل أبدا.
فامض ولا تلتفت لهذه الأصوات التى لا تريد إلا تشتيت تركيزك وبعثرة انتباهك، امض ولا تلتفت لهذه الأفعال التي تنقص من المرء وتسحب منه مروءته، واستعن بالمخلصين، فالطريق طويل، والهمم ترفع بعضها بعضا، بداخل كل منا أسدان متناقضان، يتغلب الذي تطعمه، فاحرص أن تطعم الأسد التقي النقي، وسيدلك دومًا على الخير، أو سيبعدك عن السقوط في ظلمات الخبث على أقل تقدير، نحن هنا على هذه الحياة نكتب تاريخنا، فاتركوا في كتبكم سطورًا مضيئة.
جميل أحسنتم
ردحذفجزيل الشكر
حذف