التخطي إلى المحتوى الرئيسي

نضال سليم يكتب: عودوا راشدين


فطرنا الله على سجية نقية بيضاء ، لا غبار عليها ، أحسن خلقنا ومنحنا من لدنه رحمة وحكمة كل شئ ، وسخر لنا كل شئ وسهل لنا الأسباب ومنحنا من أبواب السعي الكثير والكثير ، وفوق هذا وضع لنا ضوابط وأحكام نسير عليها ، بل وفسر لنا على لسان نبينا الكرم -صلى الله عليه وسلم- هذه القواعد والأحكام حتى دلنا على كل شئ حتى لا نتيه بعد انقطاع الوحي ، وساقها للجميع بوضوح تام “من أطاعني فقد نجى”.

الآن وبعد أن اختلطت الأمور ، واندثرت الحقائق ، وغياب الدور الحقيقي للأسرة، ودور العبادة والتعليم ، غابت القيم ، وانحرفت الطرق ، وزيفت الحقائق ، وتبدلت الثوابت ، أصبح لكل منا قواعده واحكامه ، أصبحنا تائهين فى ظلمات الواقع الأليم ، ضاقت علينا الأرض بما رحبت ، وانقطعت بنا السبل كما تنقطع المياة عن البراري في الصحراء ، وانحجبت عنا الرؤية كما تنحجب العذراء في خدرها عن الأغراب.

جيل الشباب الذي خرج مبتهجًا حالمًا سعيدًا في ثورة 2011 ، محاولًا ان ينبي حياة جديدة لا يعكر صفوها ظلم ، ولا تغمها عتمة فساد ، أصبح الآن في أشد الحاجة إلى أحضان ذويه ، لا أقصد ذاك الحضن الأجوف الذي يأخد أكثر مما يعطي ، أقصد تلك الطمأنينة التى تخترق القلب قادمة من قلب لا يميل لأحد غيرك ، أو كما ذكر الشاعر أمل دنقل في رائعته “تلك الطمأنينة الأبدية بينكما: أنَّ سيفانِ سيفَكَ.. صوتانِ صوتَكَ ، أنك إن مت.. للبيت رب وللطفل أب”.

هذا الجيل كل ما بداخله قد تم انتهاكه علانية ، من ضيق الحياة وظلم المجتمع ، كل ما رأه من قبح ووحشه قد تغلب عليه وملكه ، غابت كل المعاني الجميلة والمفردات الراقية التى لا تكتمل الحياة إلا باكتمالها ، فتبدلت المعاني ، أصبحت الثقافة تتلخص في أشياء فارغة ، طعن في الأديان ، تذمر على الأقدار ، استباحة للاعراض.

تفتت هذا الجيل ولّد رجلًا أبعد ما يكون عن صفات الرجولة ، فتلخصت معاني الشهامة والنبل في أزياء ممزقة ، وأصوات صاخبة ، فضاعت المسؤولية في كل شئ ، وانهار عمود الأسرة وحاكم المجتمع ، أصبحت القسوة عنوانًا ، واللاشئ نبراسًا ، لم تعد لنا حرمات ، ولم تعد مدينتنا هادئة وأمنة ، بدلًا من أن نكون مصدر حماية المرأة وقوتها أصبحنا أكبر خطر يهدد عروش النساء ، نسابقهم على ركوب المواصلات ، نزاحمهم بالنظرات والهمسات والبذاءات في الأسواق والجامعات ، بل أن قسوتنا على بعضنا باتت أشد ، لا نشد على سواعد بعضنا بل نكسرها حتى لا يسبقنا أحد ، وياليته سباقًا على خير أو منفعة ، نتجاهل واقع الحياة ، ونفضل الهروب إلى الحلم.

أما الجانب الأخر ، حدث ولا حرج ، أفكار الغرب الخبثه نهشث في عقولهن ، لم تعد المرأة كما عهدناها فى ثقافتنا ، تاهت منهن أسارير النساء ، تقطع حيائهن ، تبخر حنانهن ، تكسرت الرقة في معظم هذا الجيل كالماء عند رمي حجر فيه سرعان ما تتلاشى ويستعيد سطحه سكونه.

التركيز على السلبيات وحدها يعمق معنى اليأس في النفس ، فاليأس لا يرى سوى الظلمة والخيبة والخسران ، لذا ، عليكم استغلال هذه السواعد لإعادة المجد الذي طمسته عوامل الهدم ، فابكوا على زمن ضاعت فيه كل القيم والمبادئ ، ضاعت فيه كرامة العرب ، ضاع فيه حب الوطن ، اندثر فيه الرفق والحب ، ماتت المروءة وتبخرت الأحلام ، زمن اصبحت فيه أرواحنا مستهلكة مستعملة ، تذوقنا من غدر الأصدقاء والأحبة ، تلوعت فيه الأحشاء من وحشة المنظر ، وكآبة المشهد.

وعليكم أن تستعدوا من الآن لتغيير هذا المنهج الممل ، نستعيد الهمم لنعود للقمم ، اتركوا هؤلاء المتحولين الذين يغدرون ويتجملون ، اتركوا اولئك الذين يمشون بين الناس بالنميمة ، فيسمعون من هنا وينقلون هنا ، يحملون أحقادًا فوق أحقاد ، أولئك الذين ينسون المعروف وينفخون في نار الحقد ، اتركوا كل هذا العبث ، وابتعدوا عن ضجيج الرذائل وعودوا راشدين ، عودوا لأحضانكم ، تمتعوا بدفئ العلاقات الاجتماعية قبل أن ياتى يوم لا يعوض فيه غالٍ ولا ثمين.

بالطبع ، نحن نتحمل كثيرًا ،لكن على المجتمع أن يتحمل هو الآخر مسؤوليته تجاه هذا الجيل الذي يضيع ، وتضيع معه أمة بأكملها ، فمرحلة الشباب هي ربيع العمر ، وهي مرحلة الأمل والتفاؤل ، مرحلة البناء والتنمية ، مرحلة النصر والتمكين ، مرحلة ملهمة لتحدي المخاطر والصعوبات.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصيدة معملش حاجه تستحق الذكر - مصطفى إبراهيم

ما عملش حاجة تستحق الذكر موظف عادي في هيئة حكومية إجمالي ما يحصل عليه الف تلتمية و حاجة جنية لا يعول و غير مسؤول الا عن نفسه لا يبوح للأصدقاء العابرين عن أمله او يأسه كان عادي جدا مضموناً و شكل مش شرير و مش طيب مش موهوب و مش غبي  مش مجذوب و مش نبي و لا حتى عاش قصة كفاح ع اللقمة في بلد أجنبي تِلهم بتوع السيما يحوّلوها لفيلم او حتى يوحش حد ساعة الأكل م النوع اللي تستغرب لو جه لحد ف حلم بس النهارده ف المنام جالي واقف على الشعرة اللي بين الوجود و العدم..  فاتح عينيه ماشي ف شارعهم المليان تراب خطاويه ما بتعلّمش ورا منه و كأنه من غير قدم... ع الأرض و كأنه كان ماشي بس الزمن هوّ اللي ما بيمشيش كان ماشي و احنا متسمّرين حواليه لحد ما بلعه الضباب بشويش يشبه بطل أسطوري و خيالي ما عملش حاجة تستحق الذكر غير إنه واقف لسه على رجليه

أضرب.. قصيدة للشاعر عبد الرحمن يوسف القرضاوي

اضـــــرب فلسنا نخـــاف السوط والوجعَ اضرب لأنك تبدو خائفــا جـــــــــزعَا الضــرب قشة قسم الظهر فــــــي بلدي فاضـــرب فمـا كنت فـي ذا الأمر مبتدعًا واضـــرب برأســك حيطانــــا وأعمدة واضــــــرب بظلمك أحزابـــاً ومجتمعًا الضــرب بالكــــف سهل إن صبرت لــه والضرب بالحرف دومـاً يـُـــــورثُ الهلعَا فاضـــرب بكفك طــــــول الليل توأمها حتــى بدوت كمن فــــــــي أهله فُجعَا الضـرب بالصفع فــــــي أرضي مخاطرة كــــــم قــد رأينا مرار صافــعا صُفعَا واضـــرب بليلك أخماســــــا لتسكتنا تــــرى النتيجة صــوت الحــق مرتفعاَ كــم مارس الضرب قواد وعـــــــاهرة كـــــــلاهما لصنوف العهر قـــد رضعَ فـــاضرب دفوفك يــــــا مغوار بلدتنا ونـــــم بنصرك طــــول الليل مُنخدعَا لا الضرب يُجدي ولا الأجناد تـــــــرهبنا كــــــم ضارب قـــــد دفنا بعدما قمعَا وفــر سياطك ليس الســـــــوط يرهبني واضــــرب لتسكت شعري فـي الدجي الودعَا يــا مــن بدا بارعاً فـــــي ضرب إخوته لكـــــن بضرب عــــدو الأرض ما برعَا راقب خطــــــــاك فت

قصيدة أيها المارون بين الكلمات العابرة | محمود درويش

أيها المارون بين الكلمات العابرة احملوا أسماءكم وانصرفوا واسحبوا ساعاتكم من وقتنا، و انصرفوا وخذوا ما شئتم من زرقة البحر و رمل الذاكرة و خذوا ما شئتم من صور، كي تعرفوا انكم لن تعرفوا كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء أيها المارون بين الكلمات العابرة منكم السيف – ومنا دمنا منكم الفولاذ والنار- ومنا لحمنا منكم دبابة أخرى- ومنا حجر منكم قنبلة الغاز – ومنا المطر وعلينا ما عليكم من سماء وهواء فخذوا حصتكم من دمنا وانصرفوا وادخلوا حفل عشاء راقص .. و انصرفوا وعلينا ، نحن ، أن نحرس ورد الشهداء و علينا ، نحن، أن نحيا كما نحن نشاء أيها المارون بين الكلمات العابرة كالغبار المر مروا أينما شئتم ولكن لا تمروا بيننا كالحشرات الطائرة خلنا في أرضنا ما نعمل و لنا قمح نربيه و نسقيه ندى أجسادنا و لنا ما ليس يرضيكم هنا حجر.. أو خجل فخذوا الماضي ، إذا شئتم إلى سوق التحف و أعيدوا الهيكل العظمي للهدهد ، إن شئتم على صحن خزف لنا ما ليس يرضيكم ، لنا المستقبل ولنا في أرضنا ما نعمل أيها المارون بين ا