فطرنا الله على سجية نقية بيضاء ، لا غبار عليها ، أحسن خلقنا ومنحنا من لدنه رحمة وحكمة كل شئ ، وسخر لنا كل شئ وسهل لنا الأسباب ومنحنا من أبواب السعي الكثير والكثير ، وفوق هذا وضع لنا ضوابط وأحكام نسير عليها ، بل وفسر لنا على لسان نبينا الكرم -صلى الله عليه وسلم- هذه القواعد والأحكام حتى دلنا على كل شئ حتى لا نتيه بعد انقطاع الوحي ، وساقها للجميع بوضوح تام “من أطاعني فقد نجى”.
الآن وبعد أن اختلطت الأمور ، واندثرت الحقائق ، وغياب الدور الحقيقي للأسرة، ودور العبادة والتعليم ، غابت القيم ، وانحرفت الطرق ، وزيفت الحقائق ، وتبدلت الثوابت ، أصبح لكل منا قواعده واحكامه ، أصبحنا تائهين فى ظلمات الواقع الأليم ، ضاقت علينا الأرض بما رحبت ، وانقطعت بنا السبل كما تنقطع المياة عن البراري في الصحراء ، وانحجبت عنا الرؤية كما تنحجب العذراء في خدرها عن الأغراب.
جيل الشباب الذي خرج مبتهجًا حالمًا سعيدًا في ثورة 2011 ، محاولًا ان ينبي حياة جديدة لا يعكر صفوها ظلم ، ولا تغمها عتمة فساد ، أصبح الآن في أشد الحاجة إلى أحضان ذويه ، لا أقصد ذاك الحضن الأجوف الذي يأخد أكثر مما يعطي ، أقصد تلك الطمأنينة التى تخترق القلب قادمة من قلب لا يميل لأحد غيرك ، أو كما ذكر الشاعر أمل دنقل في رائعته “تلك الطمأنينة الأبدية بينكما: أنَّ سيفانِ سيفَكَ.. صوتانِ صوتَكَ ، أنك إن مت.. للبيت رب وللطفل أب”.
هذا الجيل كل ما بداخله قد تم انتهاكه علانية ، من ضيق الحياة وظلم المجتمع ، كل ما رأه من قبح ووحشه قد تغلب عليه وملكه ، غابت كل المعاني الجميلة والمفردات الراقية التى لا تكتمل الحياة إلا باكتمالها ، فتبدلت المعاني ، أصبحت الثقافة تتلخص في أشياء فارغة ، طعن في الأديان ، تذمر على الأقدار ، استباحة للاعراض.
تفتت هذا الجيل ولّد رجلًا أبعد ما يكون عن صفات الرجولة ، فتلخصت معاني الشهامة والنبل في أزياء ممزقة ، وأصوات صاخبة ، فضاعت المسؤولية في كل شئ ، وانهار عمود الأسرة وحاكم المجتمع ، أصبحت القسوة عنوانًا ، واللاشئ نبراسًا ، لم تعد لنا حرمات ، ولم تعد مدينتنا هادئة وأمنة ، بدلًا من أن نكون مصدر حماية المرأة وقوتها أصبحنا أكبر خطر يهدد عروش النساء ، نسابقهم على ركوب المواصلات ، نزاحمهم بالنظرات والهمسات والبذاءات في الأسواق والجامعات ، بل أن قسوتنا على بعضنا باتت أشد ، لا نشد على سواعد بعضنا بل نكسرها حتى لا يسبقنا أحد ، وياليته سباقًا على خير أو منفعة ، نتجاهل واقع الحياة ، ونفضل الهروب إلى الحلم.
أما الجانب الأخر ، حدث ولا حرج ، أفكار الغرب الخبثه نهشث في عقولهن ، لم تعد المرأة كما عهدناها فى ثقافتنا ، تاهت منهن أسارير النساء ، تقطع حيائهن ، تبخر حنانهن ، تكسرت الرقة في معظم هذا الجيل كالماء عند رمي حجر فيه سرعان ما تتلاشى ويستعيد سطحه سكونه.
التركيز على السلبيات وحدها يعمق معنى اليأس في النفس ، فاليأس لا يرى سوى الظلمة والخيبة والخسران ، لذا ، عليكم استغلال هذه السواعد لإعادة المجد الذي طمسته عوامل الهدم ، فابكوا على زمن ضاعت فيه كل القيم والمبادئ ، ضاعت فيه كرامة العرب ، ضاع فيه حب الوطن ، اندثر فيه الرفق والحب ، ماتت المروءة وتبخرت الأحلام ، زمن اصبحت فيه أرواحنا مستهلكة مستعملة ، تذوقنا من غدر الأصدقاء والأحبة ، تلوعت فيه الأحشاء من وحشة المنظر ، وكآبة المشهد.
وعليكم أن تستعدوا من الآن لتغيير هذا المنهج الممل ، نستعيد الهمم لنعود للقمم ، اتركوا هؤلاء المتحولين الذين يغدرون ويتجملون ، اتركوا اولئك الذين يمشون بين الناس بالنميمة ، فيسمعون من هنا وينقلون هنا ، يحملون أحقادًا فوق أحقاد ، أولئك الذين ينسون المعروف وينفخون في نار الحقد ، اتركوا كل هذا العبث ، وابتعدوا عن ضجيج الرذائل وعودوا راشدين ، عودوا لأحضانكم ، تمتعوا بدفئ العلاقات الاجتماعية قبل أن ياتى يوم لا يعوض فيه غالٍ ولا ثمين.
بالطبع ، نحن نتحمل كثيرًا ،لكن على المجتمع أن يتحمل هو الآخر مسؤوليته تجاه هذا الجيل الذي يضيع ، وتضيع معه أمة بأكملها ، فمرحلة الشباب هي ربيع العمر ، وهي مرحلة الأمل والتفاؤل ، مرحلة البناء والتنمية ، مرحلة النصر والتمكين ، مرحلة ملهمة لتحدي المخاطر والصعوبات.
تعليقات
إرسال تعليق