لم يشهد التاريخ البشري منذ بدايته إرهابًا مع سبق النوايا والتخطيط والبرمجة والإصرار على تنفيذه بأبشع الصور والأشكال كالإرهاب الذي مارسته الحركة الصهيونية بمنظماتها وأجهزتها الإرهابية السرية حتى قبل إعلان قيام الكيان الصهيوني عام 1948 أو ما عرف بنكبة فلسطين.
مارست الحركة الصهيونية شتى أنواع الإرهاب الفكري والسياسي والعقائدي بطريقة ممنهجة ودموية، وهناك عشرات الآلاف من المعطيات والحقائق الموثقة الدامغة الراسخة المتعلقة بمسيرة وقافلة الإرهاب الصهيوني التي انطلقت منذ مطلع القرن العشرين ولا تزال حتى يومنا هذا.
كانت الحياة كما عرفها العرب في فلسطين لمئات السنين قد توقفت منذ ما يربو على سبعة عقودٍ من الزمن. بعد الإعلان الشهير عام 1917، لوزير الخارجية البريطاني اللورد آرثر بلفور، والذي منحت الحكومة البريطانية بموجبه أرضًا لا تمتلكها لليهود المنتشرين في أرجاء المعمورة، تصاعدت أعداد اليهود المهاجرين إلى فلسطين.
لم تكن الاحتجاجات الفلسطينية قادرة على لجم توافد الآلاف من المهاجرين اليهود، كان هؤلاء يستصدرون جوازات سفر من الدول الأوروبية التي ينتمون إليها بغرض واحد فقط، هو الحصول على تأشيرات من السفارات البريطانية للهجرة إلى فلسطين، وتدريجيًا تغيرت التركيبة السكانية للبلاد، واستخدمت العصابات الصهيونية ضد قوات الانتداب البريطاني والفلسطينيين كسبيل لتحقيق حلم الدولة اليهودية. لم يتوانَ اليهود عن استخدام أماكنهم المقدسة في إطار خطتهم لإقامة دولتهم.
وقبل أشهر قليلة من إعلان الكيان المغتصب، تم اعتقال راعٍ كنسي يهودي بمدينة تل الربيع، بعدما تم اكتشاف أزياء عسكرية مسروقة للعديد من الكتائب البريطانية، إضافةً إلى أكوام من السندات المزورة لحكومة فلسطين وجهاز إرسال محمول وكميات من المتفجرات والأسحلة غير القانونية، وحقيبة بها خرائط لخط سير بعض القوات البريطانية داخل حجرة سرية بجدار زائف داخل الكنيس.
وكان اثنان من رؤساء وزراء الكيان الصهيوني المستقبليين، أحدهما «مناحم بيجن»، على لائحة المطلوبين لقوات الانتداب البريطاني على فلسطين بتهمة الإرهاب، أما الآخر فهو «إسحاق شامير»، الذي قتل بيديه ودفن أحد أعضاء منظمته الإرهابية «ليحاي» لأنه اعتبر يمثل خطرًا عليه.
وفي أواسط الأربعينيات، أعلنت حكومة الانتداب البريطاني عدم قدرتها على حل ما أسمته «النزاع» بين الفلسطينيين واليهود في فلسطين، وأحالت الموضوع على منظمة الأمم المتحدة وزعم وزير المستعمرات البريطاني «آرثر كريتش جونز» أن «حكومة صاحب الجلالة مصممة على رسم سياستها على أساس تخليها عن صك الانتداب، والذي حاولت من خلاله طوال ربع قرن من الزمن أن تفي بالتزاماتها تجاه الوطن القومي اليهودي، وحماية مصالح السكان العرب وكي لا يُساء فهم موقف وسياسة بريطانيا؛ فقد أمرتني حكومة صاحب الجلالة أن أعلن وبمنتهى الجدية: أنها قررت نظرًا لعدم التوصل إلى تسوية مفادها أن تخطط لانسحاب مبكر لقوات الإدارة البريطانية من فلسطين». هنا نرى عدة أشياء تتجلى لأعين الجميع بوضوح بالغ؛ وهي التسمية التي أطلقتها الحكومة البريطانية على الفلسطينيين «سكان» وكذلك تنفيذ بريطانيا لمخطط توطين اليهود في فلسطين بمنتهى الجدية.
كان الاضطهاد الذي تعرض له اليهود في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية على أيدي النازيين، قد ولّد موجة من التعاطف الأوروبي والأمريكي مع المطالب اليهودية. في نوفمبر عام 1947 أصدرت الأمم المتحدة خطة تقسيم فلسطين، والتي عُرفت لاحقًا بالقرار رقم 181. في الواقع كانت الأمم المتحدة على أعلى مستوياتها يهودية الهوى بل كان النرويجي «تريغف هالفدان لي» الأمين العام للأمم المتحدة في الفترة 1946 – 1952 صهيونيًا بامتياز ومؤيدًا قويًا للصهيونية وأرسل مستشاره العسكري إلى القدس للإعداد لتسليم الأمم المتحدة لإدارة القدس وفقًا لخطة التقسيم.
تعليقات
إرسال تعليق