لم أكن ذات يوماً من متابعي الأفلام ، لا أحبها ولا أجد متعه في مشاهدتها ، ولكن منذ فتره نصحنى أحد أصدقائي الأفاضل أن أشاهد فيلمًا صدر في الولايات المتحدة منذ نحو عشر سنوات عن قصة رجل يطلق ثورة في بريطانيا بعد أن تحكمها ديكتاتورية أصولية مسيحية بروتستنتية بذريعة الحفاظ على النظام عقب حرب نووية.
بالرغم من أننى لم أستمتع بمشاهدة الفيلم لكنى عهدت التركيز فيه بكل ما لدى من حواس ، وأدهشنى أن هذا البطل الذي يدور حوله الفيلم لم يظهر بوجهه أبداً واتخذ لنفسه قناعاً باسماً ، ولم نعرف أسمه فقد أطلق على نفسه اسم "في" نسبة للحرف V باللغة الإنجليزية، وهو الحرف الأول من كلمة "Vendetta" أي "ثأر" ، والقناع الباسم الذي يرتديه البطل يمثل وجه رجل معروف في التاريخ الإنجليزي اسمه "جاي فوكس" وهو كاثوليكي تآمر مع جماعة من الكاثوليك البريطانيين لتفجير مجلس اللوردات البريطاني خلال جلسة افتتاح البرلمان، في 5 نوفمبر عام 1605 لتطهير البلاد ولتوصيل رسالة للعالم أجمع أن الشعب وحده هو من يحكم لكن أمرهم اكتشف فتعرض لتعذيب وحشي وتم شنقه وقطعت رؤوس المشتركين معه فيما أصبح يعرف بعدها باسم "مؤامرة البارود".
ما أدهشني حقاً أن البطل "في" استطاع في النهاية وبعد سنواتٍ طويلة من موت "فوكس" أن يحقق ما لم يتمكن من تحقيقه "جاي فوكس" نفسه، لقد إبتدع فعل ثورى جديد بعد أن مات الفعل الثورى بموت "فوكس" واستطاع أن يستغل الحالة الثورية الكامنه للشعب بطرق بسيطه تعبر عن مشاكل وطنه ومعاناة مواطنيه.
ذكرنى هذا الفيلم بما حدث فى بداية الثورة المصرية وعندما بات الفعل الثوري واقعاً يتدفق فى الشوراع وسارع الكثير للتعايش معه والإنضمام إلى جموع المتظاهرين للمطالبه بمطالب هذا الواقع ، وللأسف الشديد لم يكن معظم هؤلاء لديهم قناعه تامه بالثورة ومطالبها ولكن كان رهانهم على احكتساح الثورة وانتصارها هو دافعهم الأكبر ، وبعد انتهاء الفعل الثوري القوي وبالتحديد عقب الأحداث التى جرت فى عهد المجلس العسكري أيقنت هذه المجموعه أن الثورة لن تنتصر إلا بعد عناء ، فرجعوا خطوة للخلف وانضموا إلى المعسكر المحارب للثورة أو أقل تقدير إلى ما أُطلق عليه حينها بـ"حزب الكنبة".
منذ قديم الأزل وهذه المجموعه دائما هي سبب فشل أى محاولة للتغير ودايما ما نسمع منهم "خليك جنب الحيط" و"عيش نمله تاكل سكر" ومثل هذه الكلمات والتشبيهات السخيفه التى أفقدت معظم الناس روحهم فى الحياه ، ونزعت منهم حقهم فى التغير وجعلت منهم طاقه سلبيه تعيش لتحبط التقدم وتمنع الأحلام.
رغم أن الله ابتلانا بعرقلة مسيرة الثورة بل أقول وبكل أمانه أن بعدما ابتلانا الله بفشل الثورة فتح لنا طريقاً ضيقاً يبعت إلينا الأمل من جديد ، فالحالة الثورية لا تزال موجوده في الشوارع والجامعات والبيوت والحانات ، الحاله الثورية موجودة فى قلوب من صنعوها ومن ناصروها ولو بالكلمة ، ينتظرون فقط بداية فعل ثورى قوى يرضي اشتياقهم وينير طريقهم ويهديهم صوب حلمهم.
ثورتنا لم تفشل لأن خصمنا قوى ، بالعكس ، إن الخصم أضعف مما نتحيل ، نحن نستطيع أن نجعل كل زبانيته وقواديه يبيتون فى الشوارع خشيه تجمعنا ، نستطيع إعلان حالة الطوارئ في كافة أرجاء البلاد وقتما نشاء وكيفما نشاء ، نستطيع أن نجعل رجاله يقطعون عنه البث المباشر خلال كلمته خوفاً من فضحه على الملأ ، نستطيع أن نجعله يتحدث كطفل لا يستطيع الدفاع عن نفسه أمام أمه لأنه سرق الحلوي من طبقها وأمسكت به ، نسطيع أن نجعله يسير في موكب مغلق يزيد عن موكب تأمين رؤساء دول الإتحاد الأوربي ، ليس تباهياً ولكن خوفاً ، الثورة فشلت لأننا لم نجتمع على هدفٍ واحد ولم ننتبه إلى ما يدبر لنا بالليل ، فشلت لأننا لم ندافع عن حلمنا كالرجال ، بل كنا كالمصورين الهواه ، نلتقط الضور فقط ليقال عنا أننا نجيد التصوير .
لقد أستطاع "في" أن يستغل كل شئ لإيقاظ الفعل الثورى الذي يأتينا كل مره على طبق من ذهب ولكنا نهدر كل الفرص كما يهدر لاعب محترف ضربة جزاء أمام حارس ضعيف ، أن لا أدعوكم للعنف أو التحرك بدون مبرر ، إنما أدعوكم للثورة التى تأكل الفساد فلا يتبقي منه إلا رماداً نجعله شاهداً لنا وحجة لم أراد أن يفسد ، إنما أدعوكم لتظاهر لا يرفع سوى شعارات الكرامه والعدالة الاجتماعيه والاستقلال ، إنما أدعوكم لعصيان مدني يكشف للعالم أجمع أن هذا النظام الذي جعل المصريين قتله يقتلون الطلاب الأجانب الأبرياء في أرضهم ويبيع أرضه بحفنه من الأموال والهدايا لا يمثلنا ، إنما أدعوكم للإيمان أنكم ممثلي الفكره ، الفكرة التى لن تموت وإن متنا ، الفكرة التى لن يستطيع أحد أن يقتلها برصاص أو أن يسلسلها بكلبش أو يضعها داخل قفص زجاجى لكي يحجب صوتها عن مسامع الناس وإن أعتقلنا ، الفكرة التى ستبقي حيه وإن أغلقوا القنوات وحجبوا المواقع والصحف وقتلوا ممثليها وأعتقلوا مخلصيها ، وعقروا بطون حامليها.
صحيح أن "فوكس" تم إعدامه قبل تحقيق حلمه لكن "في" استطاع حمل الفكره وإكمالها ، وبالرغم من أن "فى" قد مات لكن الفكرة لم تمت معه ، فقد أثبت للجميع أن الفكره ستبقي خالده ، لقد استطاع فرد لا يعرف أحد أخلاقه ولا أسمه ولا ملامحه أن يحرك أمه بإيمانه للفكره ، فكيف بالملايين المخلصين المهذبين .. ألم يبلغكم أحدهم أن الأفكار لا تموت !.
تعليقات
إرسال تعليق