ساهمت القدس كما سائر المدن الفلسطينية في النضال ضد المحتل البريطاني، أولاً، وضد الاحتلال الصهيوني، فيما بعد. وقد كان دور القدس في جميع تلك الفترات رئيسي وحيوي كونها على طول تاريخ فلسطين، المدينة الأهم، والتي حظيت وما تزال باهتمام ديني وعربي ودولي مميز. وأبرز الثورات التي ساهمت فيها القدس بشكل رئيسي، هي:
ثورة 1920
انطلقت الشرارة الأولى لهذه الصدامات، من مدينة القدس وامتدت إلى يافا.
كانت أول الاشتباكات في الرابع من نيسان 1920، وكانت على شكل مظاهرات امتدت لتصبح صدامات دامية، مع اليهود والإنكليز الذين اعتادوا أن يكونوا إلى صف اليهود دوماً. دامت الصدامات أسبوعاً كاملاً ثم حطت رحالها بعد أن استشهد فيها أربعة فلسطينيين وصُرع خمسة من اليهود. فضلا عن إصابة 349 شخصاً بجراح منهم 211 يهودياً وسبعة من الجنود البريطانيين.
وكعادتها جنحت الحكومة البريطانية إلى جانب اليهود في ردها المتحيز أبداً ضد الشعب الفلسطيني، فأصدرت كونها الحكومة المنتدبة على فلسطين الأحكام العرفية ضد 23 شخصاً. كان من بينهم الحاج أمين الحسيني والمناضل عارف العارف وكانا من الشبان النشيطين في الحركة، إلا أن الحكومة المنتدبة لم تتمكن من إلقاء القبض عليهما، حيث فرا إلى شرق الأردن ثم دمشق.
أما رئيس بلدية القدس موسى كاظم الحسيني، فقد نحّته السلطات من منصبه وعينت بدلاً منه راغب النشاشيبي، حيث كانت تتربص به الدوائر، فالحسيني كان قد تقدم إلى وزير المستعمرات البريطانية ونستون تشرشل بمذكرة تتضمن المطالبة بإلغاء وعد بلفور وإيقاف الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وإنهاء الانتداب البريطاني وتسليم السلطة إلى الفلسطينيين لإقامة حكم وطني برلماني يتسلم السلطة من إدارة الانتداب. استغل البريطانيون الأحداث وأقصوا الحسيني عن منصبه، وبعد أشهر من انتهاء الأحداث كان أن أصدر تشرشل، وزير المستعمرات البريطاني، الكتاب الأبيض، والذي أكد فيه على تمسك حكومته بوعد بلفور وتعهد بعدم تحويل فلسطين برمتها إلى دولة يهودية.
هبة البراق 1929
كان السبب المباشر وراء هذه الثورة هو تكرار التواجد اليهودي أمام حائط البراق الشريف، الذي يعتقد المسلمون أن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم ربط إليه (البراق) وهي الدابة التي كان عليه الصلاة والسلام يمتطيها في رحلته إلى السماء. أما اليهود فيدعونه حائط المبكى حيث يعتقدون أنه من بقايا هيكل سليمان عليه السلام. وكل ما يفعلونه هناك هو الصلاة والبكاء والكتابة على أوراق يدسونها في شقوقه. وعندما فشل اليهود في امتلاك شراء الأراضي المحيطة بالبراق، عمدوا إلى المطالبة بتمليكهم المكان، فأنشأوا لهذا الغرض سنة 1928 جمعية حراس المبكى، ووضعوا إلى جانب الجدار مقاعد خشبية وتائر للدلالة على ملكيتهم له. وأثناء احتفال اليهود بعيد الغفران مساء 23 أيلول 1928 نفخ اليهود المحتفلون بالصور (الأبواق)، على مرأى ومسمع المسلمين والمسيحيين من الفلسطينيين فضلا عن أنهم وضعوا الستائر والمقاعد أمام الحائط، تعالت صيحاتهم مطالبين بامتلاك الحائط ما أدى إلى اشتباكات مع الفلسطينيين.
امتدت الأحداث إلى مدينة الخليل وعم الهياج البلاد ووقع العديد من القتلى والجرحى وكعادتها صبّت بريطانيا جام غضبها على العرب، ثم أرسلت لجنة تحقيق برئاسة "والتر شو" بينت في تقريرها أن اتساع الهجرة اليهودية إلى فلسطين كان وراء الاضطرابات، لكن اليهود طعنوا بالتقرير فأرسلت بريطانيا مبعوثاً آخر لإعادة التحقيق "جو منهوب سمبسون" وهو خبير عالمي بمسائل الهجرة والإسكان. تحدث جو منهوب سمبسون في تقريره عن أسباب انتقال ملكية الأراضي إلى اليهود، واقترح وضع حد للهجرة يتناسب وقدرة البلاد على الاستيعاب. استنادًا إلى توصيات لجنة شو وتقرير "سمبسون" أصدرت الحكومة البريطانية، على لسان وزير مستعمراتها "اللورد باسفلد" الكتاب الأبيض الذي أكدت فيه التزامها بصك الانتداب.
تظاهرات سنة 1933
مع تدفق الهجرة اليهودية وتواصلها إلى فلسطين، وأمام استمرار الدعم البريطاني لليهود هجرة وإمداداً، وما يوازي ذلك من ممارسات إنكليزية تعسفية ضد الفلسطينيين، خرجت المظاهرات الفلسطينية تجوب شوارع القدس. وكان ذلك في الثالث عشر من تشرين الأول 1933.
تناغمت يافا مع المطالب الفلسطينية المقدسية، حيث سار المتظاهرون في يافا يوم 27 من الشهر ذاته وللأهداف ذاتها.
امتدت الأحداث في اليوم التالي لتنتشر في جميع أنحاء فلسطين لتشاركها اضطرابات وطنية في مصر وسوريا دامت قرابة الشهرين. اصطدم المتظاهرون رجالاً ونساءً بالشرطة البريطانية، ما أسفر عن وقوع قتلى وجرحى حتى أن ممن ضرب بالعصي وبأعقاب البنادق، كان موسى كاظم الحسيني رئيس اللجنة التنفيذية وبعض زعماء اللجنة المنظمين للمظاهرة الأم في القدس.
كعادتها أرسلت بريطانيا لجنة تحقيق رأى فيها العرب عدم الجدوى والتحيز المسبق مستندين إلى خبرتهم بالمنتدب البريطاني. فقاطعوها. قررت اللجنة في تقريرها الذي رفعته إلى المندوب السامي اعتبار العرب مسئولين عن الاضطرابات وبالتالي حملت العرب كامل المسؤولية ورفع كل التبعات عن الحكومة البريطانية.
ثورة 1936
مع استقرار الشيخ السوري عز الدين القسام في حيفا وتوليه أمر إمامة أحد مساجدها الجامع الكبير وإفادته من خطب الجمعة التي كانت واسطة إعلامية مهمة في حشد الناس ضد الاحتلال البريطاني، قام بإعلان الجهاد المقدس ضد الاستعمار البريطاني والصهيونية. شرع القسام في تنظيم خلايا سرية للجهاد واتسع تنظيم القسام مع تزايد السخط الشعبي وازدياد التوتر في فلسطين.
أخذت مجموعات القسام تقوم بعمليات مناوشات لم تطل طويلاً حيث استشهد القسام في اشتباك مع البريطانيين في يعبد قرب جنين أواخر عام 1935 مع استشهاد القسام، أضاف الفلسطينيون سبباً إضافياً إلى الثورة، خاصة بعد اكتشاف العرب كميات من الأسلحة المهربة ضمن براميل للإسمنت. كانت في ميناء حيفا إلى اليهود. أضرم الفلسطينيون نار ثورتهم التي عمت كل فلسطين فأخذت نهجاً قتالياً جديدا مختلفا عن سابقاتها. فقام الثوار بمهاجمة الثكنات البريطانية، كما ألقوا القنابل على المستعمرات الصهيونية، ما كبّد الإنكليز واليهود الكثير من الخسائر.
أمام اتساع الثورة أطلق الإنكليز الأحكام العرفية وعاثوا في البلاد إرهاباً وقمعاً وخراباً. استمر الثورة نحو ستة أشهر مصحوبة بالإضراب الأطول في التاريخ، ولم تتوقف الثورة إلا بعد أن وجه ملوك العرب ورؤسائهم نداءً في 11/11/1936 طالبوا فيه الثوار بإيقاف الثورة وحل الأمور عن طريق المفاوضات والطرق السلمية فأوفدت بريطانيا لجنة ملكية لهذا الغرض وأوقف الثوار نشاطهم.ِ
تعليقات
إرسال تعليق