نرسيس ليس جميلًا كما ظن
نرسيس ليس جميلًا كما ظن
نرسيس ليس جميلًا كما ظن
في ملحمة شعرية فلسفية عميقة، حاول الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش توصيف حالة -أثبتتها التجارب- في فلسفة النرجسية في الحب، فكتب في الحب أنه كذبتنا الصادقة، حتى ارتجل فقال: نرسيس ليس جميلًا كما ظن
لكن صنّاعه ورطوه بمرآته، فأطال تأمله في الهواء المقطر بالماء
لو كان في وسعه أن يرى غيره لأحب فتاة تحملق فيه
ولو كان أذكى قليلًا لحطم مرآته ورأى كم هو الأخرون
ولو كان حرًا لما صار أسطورة!
لتبسيط الأمر، يعتقد النرجسيون أنهم أفضل من الآخرين ولن يعترفوا أو يتحملوا المسؤولية عن أخطائهم وعيوبهم، كما يفتقر النرجسيون إلى التعاطف مع الآخرين، فيرى أن وإن جرحك فهذا أمر طبيبعي، لا يتسدعي عتاب ولا نقاش، لا يسمع صوت ضميره يأنيه.
النرجسي لا يطيل النظر إلا لغيره ولا يرى الصواب إلا في أفعاله مهما كانت فجاجتها وفظاعتها، يعتمد على مداهنته أفعاله وتملق ذاته، صناعه يورطوه فيحب الترويط في مبالغة حسنه، والحديث هنا ليس على الحسن الشكلي ولا المظهر الخارجي، بل الجوهر، كينونة الذات وسلامة الصدر، أحب التورط في مرآته حتى إنه لا يلتفت عنها مهما بلغ به من عناء.
في توصيف "درويش" أن نرسيس "لو كان في وسعه أن يرى غيره لرأي فتاة تحملق فيه"، تحملق فيه من جماله وحسنه، تحملق فيه لأنها رأت منه مالم تراه في غيره، جمالًا وبهاءًا وصفات أخرى تمنتها حتى دب الأوكسيتوسين في جسدها فصارت لا ترتضي من الحياة إلا رضاه، لو كان أذكى قليلًا لتنازل عن رؤية نفسه في الماء ورأى حب تلك الشاردة عن العالم لأجله، لو كان سليم الصدر لتحكم إلى ميزان العقل والقلب.
لو كان نرسيس ذكيًا كما يظن لرأى العالم بمنظور أوسع، لرسم لنفسه أحلامًا أكبر من تلك التي يسعها لها وهي خاوية، كبيت من طين على مصب السيل، لو كان رقيقًا كما يظن لما سلط لسانه على من أحبه ليتهمه أو يؤذيه، لو كان قويًا كما يدعي ماكان ليعطي وعودًا كاذبة وهو يعلم أنه لن يوفي بها، لو كان حالما كما يعتقد ما كان ليخدع أحد وهو يضحك، لو كان في وسع نرسيس أن يرى غيره لرأي من يهواه حتى أرهقه الهوى، لو كان في وسعه أن يرى غيره لتغيرت حياته إلى الأفضل، لنجى من التأمل في الماء وأبدلها للتأمل في الحياة.
👈👈اقرأ أيضًا👇👇
أن تحب ذاتك أمر عظيم، وأن تصل فيها إلى مرحلة تقدير وتقبل للذات، بالطبع لا يتعلق حب الذات بالتباهي بمدى روعتك، كما أن حب الذات لا يمنعك من الاهتمام بالآخرين، بل يعني ببساطة أنه يمكنك أن تمنح نفسك نفس اللطف الذي تقدمه للآخرين.
أن تحب نفسك أكثر من أي سيئ هو أمر طبيعي، الغير طبيعي أن تتهم الآخر في حبه لك، الغير طبيعي أن تطأ قدماك كل قلب حمل لك ودًا بتكبر واستعلاء بدعوى "لا أحب أكثر من ذاتي"، النرجسي لا يعترف بالعواطف إلا بما يشتهي.
وإني -على الصعيد الشخصي- أشفق على نرسيس، يعتصر قلبي عليه، هو لا يدري تلك المأساة التي أقحم نفسه فيها، لا يدري أن صناعه إذ يورطوه في مرآته فإنها تجره من أذيال خيباته نحو الهاوية التي لا نجاة منها، لم يدري كم هو الآخريين، لم ينعم وهو يرى الفتاة كم تحملق فيه بشغف وحب.
نرسيس ليس جميلًا كما ظن، فتلك الصفات تجعل منه وهمًا لا يرتضاه أحد ولا يحبه، وحتى ولو ظل مفتتن بنفسه، مسكين نرسيس، الذي في الماء والذي يمحلق فيه!
👈👈اقرأ أيضًا👇👇
أغلى ما تشتريه للإنسان خاطره |
تعليقات
إرسال تعليق