أيشقى المرء بلين قلبه؟

 

أيشقى المرء بلين قلبه؟


أيشقى المرء بلين قلبه؟



أيشقى المرء بلين قلبه؟


أيشقى المرء بلين قلبه؟، سيبقي واحدًا من الأسئلة الأبدية التي تراود العقول إلى أبد الدهر، تتعاقبه الأجيال وتتذكره وتردده، ورغم بساطة السؤال وسهولته، إلا أن إجابته شديدة الوعورة في السرد والتفصيل، وكما تعلمنا أنه ما أسرَّ عبد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه، وإن أعظم ما يمتلكه الإنسان هو لين القلب، تلك الخصلة التي تنقي قلبك من كل عسرة وضغينة وحرمان، والعديد من المواقف اليومية تطلق إنذارًا قويًا: "لا تغتر، للين القلب وجهان".

إنما تحرم النار على كل هين لين قريب سهل، كجزاء له عما تحمل من عناء المحن، وطعنات الغدر وبؤس المنقلب وشقاء العشيرة، فالناس أنواع وصنوف، منهم من يحفظ الود ويعاظم الرفق، ومنهم من يستغل اللين كحية قرعاء، لا تعلم من أين تأتيك بأنيابها.

إذًا، الشقاء الذي قد يجلبه لين القلب يعتمد بشكل كبير على كيفية إدارة تلك المشاعر وكيفية التعامل مع الآخرين. المهم هو إيجاد التوازن، حيث يتم الحفاظ على الجانب الإنساني والرحيم بدون التضحية بالنفس.


👈👈اقرأ أيضًا👇👇

                               

أغلى ما تشتريه للإنسان خاطره



مات مجير أم عامر منذ زمن سحيق، تاركًا خلفه أثره وفعله، محذرًا تارة بصنع المعروف في غير أهله، ومفتخرًا تارة أخرى بعظيم فعلته، إذ أنقذ حيوانا مستجيرا من سهام الصياد، ترفَّق بقلب مذعور وقدَّم له جل ما يملكه، أعطاها الأمان فغدرت، ومنحها السكينة فمالت، جاد بطعامة فمات على جوع، ووهبها بيته فأصبحت تتملكه، مات دون أن يعاتبها، دون تخوين أو نفاق، منحها كل شيء بقلب رحيم، ونفس صافية، وسريرة صادقة.

لمن لا يعرف... فأم عامر هذه هربت من الصياديين في زمن سحيق، وفي طريقها للهروب اقتحمت منزل أحد الأعراب، بالطبع تبحث عن ملجأ؛ لكنها اقتحمت عليه حياته التي ربما كانت سعيدة هادئة، أو فلنقل كان راضيًا بها، هذا الحسيب رق لحالها، كان يومًا شديد الحر، حماها تحت ظله، وأجارها من لهيب الشمس ووقف لمن يلاحقها، أحالها من طريدة إلي حرة مستجيره، قال متحديًا: "إنها في جواري، ولن تصلوا إليها ما ثبت قائم سيفي في يدي"، منحها كل ما سلبته منها الأيام الصعبة والليالى القاتمة، أعطاها من طعامه وشرابه ومسكنه، لكنه لم يكن يعرف أنه يعقر يده بيده.

هذه الأم عامر اختارت طريق الخيانة طواعية، لم يكفها أنها تقتات على الجيف النتنة، لم تنظر إلي مظهرها الرث ورائحتها القذرة التي تفوح من مسيرة كذا، تلك التي لا يحلوا لها الخروج إلا ليلًا، والسير بحذر حتى لا يلتفت لها أي قطيع فينكشف أمرها، تقنع من حولها أنها قوية العزيمة ومتينة الإرادة وصلبة التحدي، لكنها في الحقيقة لم تكن ذات يوم كمثيلتها، أم الحارث وأم فارس، ارتضت أن تكون طريدة ضعيفة حتى وجدت ليّن القلب فاستعطفته وأشفق عليها وأجارها وأطعمها، لم تفكر حينها أنه ربما نام ليلته الأخيرة جائعًا لأنه آثرها على نفسه بطعامه، إناء اللبن الذي لعقت فيه، ربما كان آخر ما يملك، تلك السكينة التي منحها إياها، من أين أغدق عليها بها، هل أخطأ المجير، لم يشقَ بلين قلبه قط، بل كانت نهايته، لم يعد له المجال فسيحًا ليعاود النظر في أمور الحياة وخباياها، لن يجادله ضميره عما فعل وما لم يفعل، أودى به لين قلبه إلي هلاكه.

تعلمت كيف تتسلل إلى قلوب الغير عبر كلمات مزيفة، وتمسكت بالذين منحوا لها العطف بغرض البقاء، لكن في خضم ذلك، تخلت عن جوهرها، كانت لياليها خديعة، بينما يسجل قلم القدر قصص الصيادين، ظناً منها أن تلك العلاقات السطحية ستعطيها القوة. هل فكرت يومًا في الثمن الذي ستدفعه تلك القلوب الرحيمة؟ ربما كان طعامها ينتمي لمن لم ينعم بنوم هانئ، تاركًا فراغًا في روحه، حتى أصبحت متعلقة بما بقي من إناء اللبن الذي لعقته، كرمز له ولحالته، رغم أنه قد يكون آخر ما يملكه.

تلك الليالي الطويلة التي قضتها أم عامر تحت سماء حالكة، كانت تمثل لها سيرتها الوهمية التي نسجتها من الأوهام. في زوايا الظلمة، أغدقت على نفسها ملذات مؤقتة، تظن أنها ستمنحها القوة، لكن في كل مرة كانت تنزلق أعمق في الوحل الذي اختارته.

أم عامر، التي كانت تظن أن الخداع والجبن هما السبيل للبقاء، لم تدرك أنها تتآكل من داخلها. الكلمات الجوفاء التي كانت ستارها، سرعان ما أصبحت قيودًا تعيق حركتها، تجعلها أسيرة لنفسها، بعيدة عن الفطرة التي كانت تحرك قلوب الآخرين نحوها في البداية.


👈👈اقرأ أيضًا👇👇

                                   أهون من قُعيس!


ومع مرور الوقت، بدأت أشباح ضمائر أولئك الذين غدرت بهم تلاحقها، تهمس في آذانها، لكن لم تنجح في إيقاظ ضميرها المهجور. كلما حنت للجشع، زادت وحشة الأماكن حولها. كانت تخادع نفسها بأنها وحيدة، لكن زوايا عينيها كانت تعكس الخسارة والفقدان.

يا أم عامر، يا كل أم عامر، ألا تكفي كل هذه الليالي الطويلة المظلمة أن تسيريها وحدك، يمكنك مواجهة الصياد، ومصاحبة المستجير، يمكنك التخلي عن الغدر والخيانة وتملق القوي وتمثيل الضعف والوهن.

يا كل أم عامر، تعلمنا الدرس وصارت قصتك أيقونة تدور الحانات في الليل، ويتعلمها الصغار في الصباح، ألهمت الشعراء والأدباء على مدار قرون، لتخلد ذكرى وفاء المجير وحقارة المستجير.

كل قصة دمعة، وكل دمعة قصة، وفي قلوبنا جميعًا يكمن صدى آلاف الحكايات من أمثال أم عامر، حيث يتلاقى الألم بالأمل، وتنفتح أبواب جديدة لاستقبال الحياة بكل مظاهرها، وفي ختام الليل، حين تأوي الكائنات إلى أوكارها، تبقى الضباع وحدها في الميدان، تواصل صرخاتها وكأنها تستدعي الفرص الجديدة، فتدخل في حوار مع الليل، لتنسج لنفسها حكايات عن البقاء، تحاول إقناع نفسها بأنها متفردة لا مثيل لها، معطاءة كريمة فتترك الآخرين يأكلون أولًا، ولأنها تعرف التضحية فلا تتذمر وتأتي بعدهم بكل سلامة نفس، تحاول تزييف الحقيقة بصرخات مترهلة وضحكات خبيثة لتوهم نفسها أولًا أنها الضحية وليست الجلاد، بينما تترك خلفها آثارًا من الخوف والحذر في قلوب كل الكائنات الأخرى.




أيشقى المرء بلين قلبه؟


أيشقى المرء بلين قلبه؟


أيشقى المرء بلين قلبه؟


أيشقى المرء بلين قلبه؟


أيشقى المرء بلين قلبه؟


أيشقى المرء بلين قلبه؟


أيشقى المرء بلين قلبه؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أغلى ما تشتريه للإنسان خاطره