المشاركات

أهون من قُعيس!

صورة
أهون من قُعيس! أهون من قُعيس! أهون من قُعيس! كان قُعيس رجل من تميم، يقال إنه قعيس بن مُقاعس بن عمرو التميمي، ولم تداول ذكره العرب علي خير بدر منه، ولا شجاعة أرعبت العدا، بل طال ذكره مقرونًا بالهوان، وإن شئت فقل بـ"الخيبة". كان قُعيس -بحسب رواية الشرقي بن القطامي الكلبي- بعد موت أبيه عند عمته، فرهنته عند صاحب بُر، ولم تفك عمته رهانه واستعبده الحناط حتى صار عبدًا. لم تقل العرب: "أهون من قُعيس"، من أجل هذه الحادثة، ولم أحكم عليه بقلة عقله من أجل مروعته مع عمته حتى صار عبد يباع بثمن زهيد، بل ألومه لأنه فرط في حياته بسهولة تامة من أجل الإبقاء علي ود "غير موجود". القصة يا سادة أن قُعيس -وهو على ما يبدو طيب القلب وصادق السريرة- ذهب ضيف علي عمته وكان الجو ممطرًا عاصفًا، فلم تحسن ضيافته، ولم تقابل بره بمعروف، ولما أشتد المطر أخرجت قُعيس من منزلها لتجد مكانًا تأوي فيه كلبها، تخيل أنها استبدلت هذا المسكين بعد كل ما لاقاه منها من شر وما لاقت منه إلا الخير، واستبدلته بكلب!، وبات ليلته على باب المنزل يعوي قلبه وتئن عيناه حتى مات من البرد، ولا أحسب أن برد المكان من قتله،...

أغلى ما تشتريه للإنسان خاطره

صورة
  أغلى ما تشتريه للإنسان خاطره أغلى ما تشتريه للإنسان خاطره في اعتقادي، أن أفضل ما يمكن أن يُقدَّم للمرء في هذه الحياة هو إحساسه بقيمته الحقيقية، ذلك الشعور الذي يُنعش الروح ويُعيد للوجود رونقه البهي. تقدير الإنسان ليس مجرد واجب اجتماعي، بل هو فعلٌ يُشبه الرزق الطيب الذي يُغذي القلب ويُشعره بالانتماء، أن يُوضع الشخص في مكانه الذي يليق به، بالظبط كمن يزرع شجرةً في تربة خصبة، لتعطي ثمارها الوفيرة، فتثمر عنها غابات من العواطف والتجارب الغنية. القيم الإنسانية ليست مجرد كلمات تُقال، بل هي أحاسيس تُعاش وتجارب تُختبر. هي تلك الأساسات التي تُبنى عليها النفوس، وتتجلى في أعماق القلوب، لتبدو كلوحات فنية تعكس الجمال الباطن للوجود، أن نمنحه مكانة لا تُمحيها ظروف الحياة المتقلبة. إنّ الإنسان يُشبه النجم الذي يضيء ليالي السُبات، رغم كل الظلمات التي قد تعترض دروبه. فكيف نستطيع أن نجعل هذا النجم يسطع في سماء أرواحنا، حتى وإن هان العالم من حوله؟ اقرأ أيضًا:   إبصار الأشياء على حقيقتها   إنَّ الذاكرة تتجلى كخاطرة تُثري النفوس، أضواءً تضيء الطريق في أحلك الأوقات. نستثير في قلوب الآخرين المعا...

إبصار الأشياء على حقيقتها

صورة
  إبصار الأشياء على حقيقتها إبصار الأشياء على حقيقتها إبصار الأشياء على حقيقتها كعصفورٍ ينطلق من قفصه، منتزِعًا نفسه من قيود الأوهام، إلا أن هذا الانطلاق يحمل في طياته آلامًا لا تُحتمل، في الواقع يعد انتصار كبير، لكنه قاسٍ كأشواك الورود، يحمل الجمال في طياته، لكنه يُخفي بين زواياه جراحات لا تُمحى. التفريق بين زيف القول وصدق الفعل مرحلة من مراحل إدراك الواقع بمستوياته المختلفة، كالكشف عن سحرٍ مستتر، يكشف الألوان الخفية التي رُسِمت بخطوط من دموع ضائعة وأحلام مُحطمة، حيث سرعان ما يتلاشى خيال الأمل في غياهب الحقيقة الواسعة. عندما تتجلى واقعية الأشياء، يصبح المرء كمن وقع في بئرٍ عميقة، تحيط به الظلال بدلاً من الضوء، لا يسمع سوى صوتًا عميقًا بداخله يخرج على استحياء ويطرح سؤالًا مُرًا: كيف يمكن لقلبٍ مُثقلٍ بأثقال الحقيقة أن يتقدم نحو الغد؟، تَكون الحسرة في كل زاوية من زوايا الروح، كما لو كانت جروحًا تُعيد فتح نفسها من جديد، مُذكرةً بمشاعر الألم التي تنخر في كيانه ببطء وتأكل روحه على مهل. فإذا كانت معرفتنا بحقيقة الأشياء قدرًا لا مهرب منه، فهل يُغني ذلك من قسوة الفقد والخيبة؟ قد يدرك الإن...

وكن من أنت حيث تكون..

صورة
  وكن من أنت حيث تكون.. وكن من أنت حيث تكون.. وكن من أنت حيث تكون.. وكن من أنت حيث تكون.. كعادته كل ليلة منذ اثنين وعشرين عامًا، عندما غابت المدينة من أمام عينيه وتاهت في ظلام الليل الدامس، توقف عن دفع قاربه الصغير، أسند ظهره إلى جدار قاربه، آخذًا نفسًا عميقًا، وأغمض عينيه لعله ينجح في تجاهل الضجيج الذي يعصر داخله. أراد أن يهرب من شبح الذكريات الذي يُطارده، لكن ظل تلك الذكريات كان يتمسك به كطيفٍ لا يفارقه. بعد قليل، فتح عينيه رويدًا رويدًا متطلعًا إلى النجوم، وكأنها شهبٌ متلألئة في سماء صافية، تُداعب أحلامه بلمسات خفيفة. لكن الطعنات التي لا يزال يتألم منها كانت أقوى من كل محاولاته لإظهار اللامبالاة، كالأشواك تغرس في قلب وردة كانت في يومٍ ما غارقةً في النور. سحبت نظرته إلى ما وراء الأفق، وانطلقت أفكاره بعيدًا كالسحاب المتنقل، لكنها سرعان ما عادت لترتطم بجدران الحقيقة. بدأت عينه اللامعتان تحت ضوء القمر تتسرسب منهما الدموع على مهل، كأنها تنزف الحكايات القديمة، وترسم على صفحة الليل صورتها الجريحة. قال في قرار نفسه: "كل الذين أحببتهم طعنوني من حيث أمنت لهم"؛ كأن الغدر يتجلى في أعي...