وكن من أنت حيث تكون..
وكن من أنت حيث تكون.. وكن من أنت حيث تكون.. وكن من أنت حيث تكون.. وكن من أنت حيث تكون.. كعادته كل ليلة منذ اثنين وعشرين عامًا، عندما غابت المدينة من أمام عينيه وتاهت في ظلام الليل الدامس، توقف عن دفع قاربه الصغير، أسند ظهره إلى جدار قاربه، آخذًا نفسًا عميقًا، وأغمض عينيه لعله ينجح في تجاهل الضجيج الذي يعصر داخله. أراد أن يهرب من شبح الذكريات الذي يُطارده، لكن ظل تلك الذكريات كان يتمسك به كطيفٍ لا يفارقه. بعد قليل، فتح عينيه رويدًا رويدًا متطلعًا إلى النجوم، وكأنها شهبٌ متلألئة في سماء صافية، تُداعب أحلامه بلمسات خفيفة. لكن الطعنات التي لا يزال يتألم منها كانت أقوى من كل محاولاته لإظهار اللامبالاة، كالأشواك تغرس في قلب وردة كانت في يومٍ ما غارقةً في النور. سحبت نظرته إلى ما وراء الأفق، وانطلقت أفكاره بعيدًا كالسحاب المتنقل، لكنها سرعان ما عادت لترتطم بجدران الحقيقة. بدأت عينه اللامعتان تحت ضوء القمر تتسرسب منهما الدموع على مهل، كأنها تنزف الحكايات القديمة، وترسم على صفحة الليل صورتها الجريحة. قال في قرار نفسه: "كل الذين أحببتهم طعنوني من حيث أمنت لهم"؛ كأن الغدر يتجلى في أعي...